مقدمة:
فى العلوم اللاهوتية
هناك نوعان من البراهين: براهين عقلية وبراهين نقلية، البراهين العقلية تستخدم
المنطق، أما البراهين النقلية فتستخدم آيات الكتاب المقدس وشروحات الآباء القديسين.
وعندما نستند إلى الكتاب المقدس فى شئ فإننا فى هذه الحالة نستخدم البراهين
النقلية، لكن حينما لا نستخدم الكتاب المقدس لابد أن نستخدم براهين عقلية.
إن فائدة البراهين
العقلية هى أننا أحياناً نتعامل مع أشخاص لا يؤمنون بالكتاب المقدس سواء كانوا
ملحدين أو غير مسيحيين. فمثلاً فى اللاهوت النظرى إذا أردنا إثبات وجود خالق لإنسان
مؤمن بوجود الله نقول له مكتوب "فى البدء خلق الله السموات والأرض" (تك 1: 1). أما
إن كان الشخص لا يؤمن بوجود الله فإن قلنا له ذلك يقول لكن ما هو الدليل، لأنه لا
يعتبر أن الكتاب المقدس هو الدليل الذى يمكن الاستناد إليه.
سوف نتكلم قليلاً فى
اللاهوت النظرى، لكن ليس معنى ذلك أننا نتجاهل الكتاب المقدس وأهميته بالنسبة إلينا
كمسيحيين، إنما لأن الحوار مع الملحدين وغير المسيحيين أحياناً يلزمه شئ من الأدلة
النظرية مبدئياً، ثم بعد ذلك، يكون المتوقع هو أن ينفتح ذهن الشخص فنبدأ فى مخاطبته
بما ورد فى الكتاب المقدس. لأن الكتاب المقدس بلا شك هو أساس حياتنا المسيحية.
البراهين العقلية
لإثبات وجود الله
1- وجود
المادة
2- وجود نظام
العالم
3- وجود
الحياة
4- الشريعة
الأدبية
5- وجود الحركة
بما فى ذلك الطاقة أو الإنرجيا energia
(تأتى بعد وجود المادة)
إثبات وجود
الله
1- وجود
المادة
قد تستغربون أن وجود
المادة فى حد ذاته يثبت وجود الله، فحينما تؤخذ الأمور بالطريقة الصحيحة تثبت
الحقيقة بوضوح وبساطة.
العبارة الأولى فى هذه
النقطة قد تستغربون لها، وهى: لو مر وقت لم يوجد فيه شئ من الكائنات لما وجد
اليوم أى كائن. هذه عبارة بسيطة لم تأخذ سطراً واحداً لكن يكمن وراءها كم هائل
من الفكر.
إن الإثبات النظرى لهذا
الأمر هو كالآتى:
الكائن الأول من أوجده؟
هل أوجد هو نفسه؟ وكيف يوجِد نفسه قبل أن يوجَد؟ أى كيف يوجِد الكائن نفسه وهو فى
الأصل لم يكن موجوداً؟ إن الكينونة ينبغى أن تسبق القدرة على الصنع. إذن لا يمكن أن
الكائن الأول يوجِد نفسه، وبالتالى يجب أن يكون الكائن الأول موجود بالضرورة. فهذا
الكائن الأول يجب أن يملك فى ذاته علة وجوده، وهو لم يخلق نفسه ولم يخلقه آخر.
كنت فى كنيسة السيدة
العذراء فى ملبورن فوقف تلميذ صغير فى المدرسة الملحقة بالكنيسة وسألنى: من الذى
خلق الله؟ وأنتم جميعاً معرضون أن يسألكم أولادكم هذا السؤال فأنا لا أعرف عائلة لم
يسألهم فيها الأولاد هذا السؤال. إن إجابة هذا السؤال هو ما ذكرناه آنفاً فى هذه
النقطة، لكن كيف نقولها للأطفال الصغار؟
كانت هناك سبورة فى
المدرسة فرسمت عليها عربات قطار، وسألتهم هل تعرفون القطار؟ قالوا نعم (لأن الأطفال
يحبون اللعب بالقطار)، فسألت من الذى يجر العربة الأخيرة؟ فقالوا ما قبلها. ومن
الذى يجر ما قبلها قالوا ما قبلها. فقلت وفى أول القطار ماذا نجد؟ قالوا قاطرة
locomotive،
فقلت وهذه القاطرة تجر القطار كله لكن لا أحد يجرها.. فوافقوا على ذلك. إن القاطرة
تجر القطار كله لكن لا يسبقها شئ يجرها. فإن قلنا أن هناك أحد خلق الله إذن هذا
الآخر يكون هو الله الحقيقى. لا ينفع أن يخلق أحد الله، لأن من يخلقه سوف يكون أعظم
منه، وبالتالى يكون هو الله الحقيقى. وهكذا قد تسألوننى: الله الحقيقى من الذى
خلقه؟ أقول لو افترضنا أن هناك من خلقه يكون الذى خلقه هو الله الحقيقى وهكذا، إلى
أن نصل فى وقت نقول أن الله الحقيقى هو الذى يخلق الكل لكن لا يمكن أن يخلقه أحد.
وهذا ما نسميه "الكائن الضرورى" فى الشرح الثيئولوجى (ثيئولوجيا فى اللغات
اللاتينية Theology). فالله لم يخلقه أحد، وهو يجب أن يكون موجود بالضرورة.
إذن كما قلنا لو مر وقت
لم يوجد فيه شئ من الكائنات لما وجد العالم كله، لأن الكائن الأول من الذى سيعمله؟
هذا هو مفتاح القضية كلها. لأنه كيف يبدأ العالم؟
إذا أخذنا أى قطعة أثاث
كمثال، كالكرسى مثلاً، فالكل يعلم أنه من خشب والخشب كان شجرة قصها النجار وعملها
بهذا الشكل، لكن قبل كل ذلك من الذى أوجد المادة ومن الذى أوجد العالم؟
هناك ملحدون يقولون أن
الكائن الضرورى هو العالم نفسه، وليس الله، وينادون بأزلية المادة. فيقولون أن
المادة موجودة؛ هى لم توجد نفسها ولا أحد أوجدها.
هذا كلام ليس له معنى
وليس له تفسير.
كيف وجِدَت المادة دون
أن يوجدها أحد؟ حينما تطور العلم أثبت ولازال يثبت أن الوجود -وليس الكرة الأرضية
فقط- بل الوجود كله، له أنظمة معينة من ناحية السرعة والزمن، وهذه لها تعقيدات
كثيرة، وأن العالم الحالى فى حالة تغير مستمر، وأنه غير ثابت على حال، وأيضاً أنه
ينكمش. صحيح أن هذا الأمر يأخذ ملايين من السنين، والعلماء يدخلون إلى أعماق هذا
الموضوع بطريقة نحن فى غنى عن الخوض فيها، ويستنتجون من ذلك أن العالم قريب من
الزوال والاضمحلال. أما الكائن الضرورى الذى يملك فى ذاته علة وجوده فلا يتناسب
نظرياً مع فكرة عالم مضمحل، دائم التغير، وقريب من الاضمحلال.
هناك كتب كاملة تشرح
هذه القضايا وتعالجها بمعادلات وحسابات فلكية وعلمية (مثل النظرية النسبية
لأينشتين) لكن كل هذا ليس مجال بحثنا هنا. يكفى أن نعرف أن الكائن الضرورى لابد أن
يتسم بالثبات وعدم التغير. هذا ملخص مبحث قد يأخذ سنوات طويلة من البحث
والدراسة.
2- نظام
العالم
هذا دليل ثانى مهم.
إن العالم منظّم لغاية يراد بلوغها.
يقول العلماء الملحدون
أن نظام العالم هو بالصدفة نتيجة تكرار المحاولات فنشأ نظام العالم. الرد على هذا
هو أن الصدفة لا تنشئ نظاماً بل خللاً، كما أن عمر العالم لا يكفى لإيجاد
النظام الموجود فيه بالصدفة.
سوف أعطيكم دليلاً
علمياً قاطعاً على هذا الكلام بمنتهى البساطة. لكن قبل أن أتكلم فى الدليل العلمى
القاطع باختصار، أريد أن أعطى أمثلة بسيطة: لو أمسكت مثلاً بحروف الطباعة وألقيت
بها على الأرض أو على لوح، فهل يمكن بالصدفة أن تأتى ثلاثة أحرف معينة بجانب بعضها
البعض لتكوِّن كلمة مثل: صار – فكر – لعب؟ رداً على هذا التساؤل نقول: نعم هذا
ممكن.. لكن من غير الممكن أن تلقى بالأحرف بنفس الطريقة فتخرج قصيدة شعر لشاعر مثل
قداسة البابا أو أحمد شوقى أو إيليا أبو ماضى. ولو ألقيت بالأحرف مليون سنة لا يمكن
أن تكوّن قصيدة شعر، لماذا؟ لأن قصيدة الشعر بها معانى ومشاعر وأوزان. فلو أردنا
حسابها بالكمبيوتر لوجدنا أنه لا يكفيها ملايين من السنين، بل ليس ممكناً حتى
بملايين من السنين أن تخرج قصيدة.
قداسة البابا مثلاً
يقول:
يا صديقى لست أدرى ما
أنا أوَتدرى أنت ما أنت هنا
أنت مثلى تائه فى غربة
وجميع الناس أيضاً مثلنا
قل لمن يزرع أشواكاً
كفى هو نفس الشوك أيضاً سوف تجنى
قل لمن غنى على الأهواء
هل فى مجيئ الموت أيضاً ستغنى
كيف تُرَص الأحرف وحدها
هكذا بالصدفة؟ وكل مجموعة من الأبيات تمشى على نفس القافية، كما أن الكلام به
موسيقى الشعر.
فإن كان هذا لا يمكن أن
يأتى بالصدفة فهل يمكن أن يأتى تكوين العين بالصدفة؟ والعين تعتبر كاميرا فيديو لا
يوجد لها مثيل فى الوجود كله، حيث يتصل العصب فيها بالمخ ويعدل الصورة المقلوبة
(لأنه من المعروف أن العين تلتقط الصورة مقلوبة ثم تعدلها، فأنت أصلاً ترى جميع
الناس بالمقلوب، ثم يعدل المخ الصورة). من الذى قال للمخ أو من الذى علّمه أن يعدل
الصورة المقلوبة؟ وكأن العين مع العقل عبارة عن شرائط تسجيل وCD
تسجل لك صوت وصورة من يوم ميلادك إلى اليوم الحاضر. تسجيلات لا تنتهى.. فأنت قد
تتذكر شيئاً حدث وأنت تبلغ من العمر سبع سنوات مثلاً، وترى المنظر أمام عينيك كأنه
حدث فى نفس اللحظة الحاضرة بالصوت والصورة والألوان.
فالذاكرة تسترجع الكثير
من الأحداث. كما أنك أحياناً ترى منظراً سيئاً يتعبك (فى القنوات الفضائية أو
غيرها) فتجاهد كثيراً لكى تمحو ما تم تسجيله فى ذاكرتك. إن الكلام يتم تسجيله
والصورة يتم تسجيلها وهكذا المشاعر والأحاسيس إلخ..
إن الكاميرا الفيديو
تسجل الصوت والصورة فقط لكن لا تسجل المشاعر والانفعالات: إن كانت ذكرى حزينة أو
ذكرى سعيدة إلخ.. كل هذا يتم تسجيله فى ذاكرتك.
فكيف تكون هذه العين
أقوى من أى كاميرة فيديو اخترعها إنسان حتى هذا اليوم؟ هل يمكن أن تأتى هكذا
بالصدفة؟
إن الصدفة لا تنشئ
نظاماً بل خللاً.
إذا أحضرنا
كيس ووضعنا فيه عدد 10 "قشاط" مرقمين من 1 إلى 10 فقط، فإن احتمال أن تدخل يدك داخل
الكيس لكى تخرج عشوائياً، من أول مرة، ودون أن تنظر، رقم 3 مثلاً يكون الاحتمال هو
العُشر ().
أى أنك محتاج أن تجرب
عشر مرات لكى تخرج مرة فيهم رقم 3، هذا متوسط الاحتمالات (بغض النظر عن موضوع الحظ،
لأنك قد تخرج رقم 3 بالصدفة من أول مرة).
ولو جرب الشخص أن يسحب
1000 مرة فإن القشاط المراد سحبه (رقم 3 مثلاً) سوف يسحب فى حدود المائة مرة من
الألف. أى أنه فى حالة السحب مرات كثيرة (1000 مرة مثلاً) فإن الاحتمال هنا يُضبَط
بحساب المعدل. فإن كنت تريد أن تعرف معدل خروج الرقم الذى تريده إن عملت التجربة
1000 مرة، سيخرج لك الرقم الذى تريده 100 مرة من الألف. ممكن أن تكون المرات 99 أو
1001 أو 98 أو 1002 إلخ..
أما إن كررت التجربة
بعشرة آلاف فإن الاحتمال سوف يقترب أكثر أى يكون ما بين: 10,002 أو 9,998. بمعنى أن
نسبة الفارق تقل كلما كثرت الأرقام. فإن كررتها مليون مرة وتفرق 2 زيادة أو ناقص،
فسوف تجد أن الاثنين بالنسبة للمليون عدد مهمل وليس له قيمة.. يعتبر صفر.
|
إذن
فالاحتمال () يتحقق حينما تجرى العملية ملايين المرات، فى هذه الحالة يكون الاحتمال
هو العُشر تماماً.
فماذا لو سحبنا من
الكيس فى المرة الأولى القشاط رقم 1 ثم أرجعناه إلى
الكيس وأردنا أن نسحب عشوائياً ليخرج رقم 2 بعد رقم 1 مباشرة؟
|
|
الاحتمال
هنا سوف يكون عُشر فى عُشر (×) لماذا؟ لأن القشاط رقم 1 له عشرة احتمالات، والقشاط
الثانى له هو الآخر عشرة احتمالات.
فى أول مرة أخذت تجرب
إلى أن خرج لك رقم 1 مرة، ثم أردت أن يخرج لك رقم 2 بعد رقم 1 مباشرة، وليس رقم 1
ولا 3 ولا 5، فأخذت تجرب كثيراً إلى أن خرج ما تريد ثم أخذت تجرب مرة ثانية فخرج شئ
آخر، حينئذ تتلف كل التجربة فتضطر أن تبدأ من البداية.
|
|
ثم ما
احتمال أن تخرج من 1 إلى 10 بالترتيب دون أى خطأ وإلا اضطررت أن تبدأ العملية كلها
من البداية (بشرط أن ترجع القشاط الذى تخرجه إلى الكيس بعد كل مرة)؟ الإجابة هى:
عشرة مليار؛ أى (واحد على عشرة أس عشرة) أى (واحد على عشرة آلاف مليون أو واحد على
عشرة مليار).
وإن قلنا أن هذه
العملية -أن تخرج القشاط وتنظر فيه ثم تدخله ثانية إلى الكيس- تستغرق ثلاث ثوانى،
فإنك تحتاج إلى ثلاثة آلاف سنة لكى تتم عملية سحب من 1-10 بالترتيب!!! مع أن هذه
العملية هى عملية فى منتهى البساطة.
فإن أردنا أن نعمل
التجربة على 100 قشاط وليس 10، وأردنا كتابة هذه المسألة على سبورة فإننا لن نجد
سبورة تسع الأرقام المراد كتابتها.
لقد حسب العلماء
المؤمنون احتمال تكوين أى شئ من الكائنات البسيطة التى وجدت فى العالم بنظرية
الاحتمالات والعلم، فوجدوا أن عمر العالم كله لا يكفى إطلاقاً لتكوين أى كائن بسيط
جداً فى تكوينه.
فلنترك العلماء
لمناقشاتهم لأن عملنا ليس أن نكون علماء فى الطبيعة والذرة والكيمياء والأحياء،
ويكفى أن نقول العبارة التالية: إن الصدفة لا تنشئ نظاماً بل خللاً. إن العالم
منظّم بطريقة جميلة، ومن الواضح أن العالم منظم لغاية يراد بلوغها كما قلنا، ولابد
أن وراء هذا النظام البديع الموجود فى العالم من عقل ماهر جداً، مفكر؛ عقل فائق، هو
الذى دبر كل هذا النظام العالمى.
قد أجد قليل من الطوب
الملقى فى شكل ما يشبه دائرة بالصدفة (مع أن هذا ليس سهلاً)، لكن أن أجد حائط مبنى
وقوالب الطوب مرصوص (بالمداميج خلف خلاف) بنظام البناء المعروف، فإن هذا يثبت وجود
مهندس أو بنّاء ماهر وراء هذا البناء المنظم.
مثال آخر هو الساعة..
الساعة بها تروس وتعمل وتدور وتنظم الوقت، فعندما أنظر إليها أعرف أن هناك مصنعاً
أنتج هذه الساعة لكن هل الصدفة يمكن أن تنتج ساعة دقيقة بتروس تدور وتنظم الوقت
بدقة؟! كيف يمكن أن يحدث ذلك؟!
انظروا إلى جسم الإنسان
وتكوينه ونظامه: العين، والكبد، والكلى، والقلب، والشرايين إلخ.. (إننا لم نتكلم عن
الحياة بعد، فإن وجود الحياة من مادة غير حية هو دليل آخر لم نتكلم عنه بعد، نحن
نتكلم هنا عن النظام فقط).
لو أخذنا مثلاً الذرة
الخاصة بأى مادة مثل الصوديوم أو الحديد أو النحاس، فالذرة بها نواة وإلكترونات
وبروتونات ونيوترونات وتلف فى مدارات، وهناك quantum theory
(نظرية الكم) التى تنظم المدارات على مستويات معينة، وهناك توازن
بين الموجب والسالب بداخلها. ثم أجد أن Solar System
(نظام المجموعة الشمسية) موجود داخل الذرة غير المرئية بالعين.
بمعنى أن نفس نظام ونظريات الكواكب التى تدور حول نجم مثل الشمس هى نفسها نظريات
الجاذبية والقوة الطاردة المركزية التى تكوّن الذرة. مهندس عنده أنظمة يدير بها
أصغر جزء فى الوجود وفى نفس الوقت يدير بها أكبر النجوم والكواكب الموجودة فى
العالم. هو وضع قواعد معينة للكائنات التى خلقها، والتزم بها فوضع لها قوانين تحكم
حركتها وعلاقاتها.
كل هذا ولم أطرق بعد
وجود الحياة إنما أتكلم فقط عن نظام العالم.
وأنتم من المؤكد فى
تأملاتكم الخاصة بحثتم فى هذه الأمور، ولابد أنكم فى قراءاتكم أيضاً قرأتم عن هذه
الأمور كثيراً.
3- نشأة
الحياة
من المعروف أن الكرة
الأرضية كانت كتلة ملتهبة من النار، فكيف نشأت الحياة عليها؟
إننا اليوم حينما ندخل
شئ فى الأوتوكلافautoclave
(جهاز التعقيم) لتعقيمه، من المعروف أن الميكروبات الموجودة فى
هذا الشئ تقتل لأنها تدخل فى النار. فالنار تمنع أى مظهر للحياة (ميكروب - فيروس –
جراثيم إلخ.). والكرة الأرضية كانت كأنها معقمة لأنها كانت ملتهبة بالنار، ولم يكن
بها أى كائن حى، لا بشر ولا حيوانات ولا حتى ميكروبات. فكيف نجد بعد فترة ثعابين
تتحرك على الأرض وحيوانات تقفز فوق الأشجار.. كيف؟ كيف خرجت هذه الكائنات من وسط
النار؟
باعتراف العلماء كانت
الأرض كتلة ملتهبة بالنار. ولازال باطن الأرض حتى الآن مشتعل بالنار، والبراكين
دليل على ذلك. هل إذا نزلت إلى العمق داخل البراكين تجد نموراً وأسوداً وثعابين؟
بالطبع لا.. لن تجد أى أثر للحياة، لأن النار تدمر مظاهر الحياة.
حينما بردت الأرض حينئذ
وجِدَت الكائنات الحية. فكيف نشأت الحياة؟ لا يوجد لذلك تفسير إلا أن الله هو الذى
أوجد الحياة على الكرة الأرضية.
نحن غير متأكدين 100%
إن كانت توجد كائنات حية فى كواكب أخرى أم لا، لكن الملاحظ أنه توجد كواكب أخرى غير
الأرض وأنها مرت بمراحل كان المناخ فيها يشبه مناخ الأرض، فكان مهيئاً لنشوء
الحياة، سواء من ناحية درجة الحرارة أو وجود المياه والأكسجين، ومع ذلك لم يقل أحد
من المركبات الفضائية التى وصلت إلى الكواكب الأخرى أنه وجد شيئاً حياً فى هذه
الكواكب.
لكن هل نستطيع أن نقطع
برأى فى هذه النقطة؟
ليس هناك نص فى الكتاب
المقدس يقول أن الله لم يخلق شيئاً إلا على الأرض فقط. فالكتاب المقدس تكلم عن
الخلقة على الأرض لأننا نحن نعيش على الأرض. لكن هذا لا يعنى أنه ليس من حق الله أن
يخلق أشياء أخرى فى كواكب أخرى. ومع ذلك، وبالرغم من أننا لا نقول رأى قاطع فى هذا
الموضوع، لكن الملاحظ بالفعل هو أنه لا توجد حياة إلا على الأرض فقط، بالرغم من
توفر العوامل الأخرى (مثل وجود المياه ووجود الأكسجين) التى تمكّن من وجود كائنات
حية فى بعض الكواكب الأخرى.
فأى إنسان عاقل يستطيع
أن يفهم (دون أن يكون متبحراً فى العلم، مع أن المتبحّر يفهم بصورة أكبر إن كان
عاقلاً) استحالة أن يكون هناك شيئاً معقماً تماماً وبعد قليل توجد عليه كائنات
حية.. كيف وجدت؟؟
الطبيب إذا قام بتعقيم
أى جهاز طبى وعمل له عملية عزل دقيقة جداً يمكنه إذا فتح الجهاز بعد عشر سنوات أن
يستخدمه وهو مطمئن. فلا يمكن بعد التعقيم أن تكون هناك كائنات.
إن درجة الحرارة على
سطح الشمس 6000° (ستة آلاف
درجة مئوية) ليس داخل
الشمس بل على السطح الخارجى لها (ليس هناك جهاز يعقِّم على درجة 6000°). ويقال أن
الأرض كانت جزءاً من الشمس ثم انفصلت عنها وظلت تدور حولها. معنى هذا أن الأرض
حينما انفصلت عن الشمس كانت عند درجة حرارة على الأقل 6000°، لأن هذه
درجة حرارة سطح الشمس لكن الداخل بلا شك يكون أكثر حرارة. فالكتلة التى تنفصل تأخذ
جزءاً من السطح وجزءاً من الداخل.
فما هى الحياة التى
يمكن أن تتوفر عند درجة 6000°؟
باختصار "قال الجاهل فى
قلبه ليس إله" (مز 14: 1).
من ضمن ما نستطيع أن
نضيفه إلى الكلام السابق هو أن العلم تقدم جداً جداً، وبحث العلماء فى الخلية
وتكوينها والفرق بين الخلية الحية والمادة غير الحية، والمواد المكونة للخلية كلها
مواد موجودة لكن ما هو سر الحياة؟ فحينما يمسك العالِم الخلية لتحليلها تحليلاً
كيميائياً يخرج أنها مكونة من كذا وكذا وكذا.. بالنسب الفلانية، فإذا أحضر نفس
المواد وبنفس النسب وضعها مع بعضها البعض لا يمكن أن ينتج عنها خلية حية!
هناك ما يسمى سر
الحياةsecret of life
فإلى اليوم وبالرغم من التقدم الرهيب الذى وصل إليه العلم إلا أن
أحداً لم يستطع أن يوجد الخلية الحية. العلماء يستطيعون أن يوجدوا أشياء تشبه
المواد الموجودة فى قيمة الخلية الحية الغذائية، أما أن يوجدوا خلية حية فهذا لم
يحدث.
وبخصوص الاستنساخ، فإن
الاستنساخ لا يخلق خلايا.. إن ما يحدث فى الاستنساخ هو أنهم يأخذون البويضة ويخرجون
منها النواة الموجودة بها، ثم يأخذون نواة خلية حية من الجلد مثلاً يعملون لها
neutralization
بحيث لا تكون متخصصة فى الجلد فقط -بتحاليل خاصة- ثم يأخذون هذه النواة ويدخلوها
داخل البويضة، وبها حياة، كما أن النواة التى أخذت كانت لخلية بها حياة. هذه النواة
التى أخذت من الجلد تكون نواة قابلة للانقسام لكن النواة الموجودة فى البويضة غير
قابلة للانقسام (إلا إذا تم تلقيحها من مصدر ذكرى). فيأخذون النواة الموجودة فى
خلية الجلد القابلة للانقسام، ثم يضعونها داخل البويضة ذات النواة غير القابلة
للانقسام، فتنقسم. لكنهم فى كل ذلك لا يخلقون حياة.
عندما نتكلم عن خلقة
الحياة نطرح السؤال التالى: كيف وجد أى كائن حى –سواء آدم أو غزال أو غيره- بدءاً
من الخلية الحية؟
العلماء يستطيعون الآن
مثلاً إدخال أنواع فواكه على بعضها البعض؛ فمثلاً يمكن أن يدخل خوخ على كمثرى فتخرج
ثمرة بطعم خليط من الخوخ والكمثرى. هنا هم لا يخلقون شيئاً ولا يضيفون شيئاً من
عندهم.
إذن سر الحياة ونشأة
الحياة هى من ضمن الأدلة على وجود الله.
وحتى حينما يتقدم العلم
ويعمل شيئاً جديداً فهو يعمله بفكر وبأجهزة وبحسابات. أما أن تخلق الطبيعة نفسها
فهذا فى الحقيقة لا يقول به إلا المختلون عقلياً.
وكما قلنا أن العلماء
حسبوا المدة اللازمة لكى تنشأ بعض الأشياء الموجودة فى الخليقة، بالصدفة، فوجدوا أن
عمر العالم كله لا يتسع لهذا الأمر. فمن 1 إلى 10 بالصدفة تأخذ ثلاثة آلاف سنة، فما
بالك بالتعقيدات الموجودة فى الخليقة.
4- الحركة
إن أى جسم متحرك تتضاءل
سرعته مع الوقت نتيجة عوامل الاحتكاك وغيرها. إذن كيف بدأت الحركة؟ إن الحركة تبدأ
كبيرة ثم تتضاءل، ولابد من وجود محرك. فإذا كان أمامى بضع كرات صغيرة، ثم دفعتها
فتحركت كلها، فإنها تتوقف بعد فترة كل فى ناحية. إذن هناك دفعة أولى بدأت معها
الحركة واستمرت لفترة لكن سيأتى وقت تتوقف فيه. فكيف بدأت الحركة؟ بدأت بالمحرك
الأول.
5- الشريعة
الأدبية
من الأدلة التى تثبت
وجود الله: الشريعة الأدبية. فما هى الشريعة الأدبية؟
لماذا يوجد عند أغلب
البشر احتياجاً داخلياً لوجود خالق ولعبادة هذا الخالق؟ حتى الشعوب التى لم تعبد
إله إبراهيم وعبدت الأصنام وغيرها كانت فكرة عبادة الإله موجودة لديهم، فهى فى صميم
تكوين الإنسان.
هذه الشريعة الأدبية
الموجودة فى الإنسان تتمثل أيضاً فى اشتياق الإنسان إلى الخلود.. لماذا عمل
المصريون القدماء التماثيل؟ لأنهم وجدوا أن الجسد يموت وكان كل منهم يريد أن تظل
صورته باقية، لأنه يسعى وراء الخلود ولو من طريق آخر. كما أنهم آمنوا بوجود الروح
وكانوا يسمونها "كا"، كما عملوا مراكب الشمس التى كانوا يظنون أنها توصل الروح
للأبدية. وكان عندهم اعتقاد فى قيامة الأجساد ولذلك كانوا يقومون بتحنيطها ويضعون
بجانبها القمح والطعام لكى يأكل منها الشخص حينما يبعث للحياة مرة أخرى.
إن عبادة الآلهة سواء
عبادة الإله الحقيقى أو آلهة شيطانية أو مزيفة إلخ.. تثبت أن الإنسان عنده بحث
مستمر عن الإله وأيضاً عن الخلود. فالإنسان دائماً يبحث عن الإله وعن الخلود. لذلك
كان الموت هو أصعب ما واجهه الملحدون والذين لا يؤمنون بوجود الله.
أكبر مشكلة تواجه
الملحدون هى الموت لأنهم لا يؤمنون بوجود حياة أخرى بعد الموت. هذه أحياناً تجعلهم
يطلبون من الطبيب أن يحقنهم بمادة قاتلة ليتخلصوا من الحياة كالمثل القائل "وقوع
البلاء ولا انتظاره". وهذه مشكلة تمثل قضية ومبحث فى العالم كله اليوم وأحياناً
يطلقون عليها لقب "الموت الرحيم".
إن الشريعة الأدبية فى
الإنسان هى فى كل أنحاء العالم. فحينما اكتشفوا أمريكا الشمالية مثلاً وجدوا أن
الهنود الحمر رغم أنهم بدائيون ومنعزلون عن الحضارة ويعملون لأنفسهم قروناً ويلبسون
ريشاً إلا أنهم يعبدون إلهاً. وفى أمريكا الجنوبية يعبدون إلهاً. وإذا ذهبت إلى
مجاهل أفريقيا تجدهم يعبدون آلهة، وإذا ذهبت إلى الأبوريجينال فى أستراليا، وقد
كانوا منعزلون تماماً هم أيضاً عن بقية العالم، فإنك تجدهم يعبدون آلهة.
كان الناس يصلون إلى
الصين والهند مثلاً، لكن من كان يصل فى الماضى إلى أمريكا الشمالية قبل خريستوفر
كولومبوس؟ ومن كان يصل إلى أستراليا قبل أن تكتشفها إنجلترا؟ ومن كان يصل إلى
أمريكا الجنوبية قبل أن يدخلها البرتغال والأسبان؟ ومع ذلك ومع أنهم بشر منقطعون
تماماً عن باقى المجتمعات البشرية ولمدة آلاف السنين إلا أنك حينما تذهب إليهم فجأة
تجدهم يعبدون آلهة.
وعند الهنود فى
الأساطير تجد قصة الطوفان مثلاً. وأنه كان هناك رجل بار، ثم حدث طوفان، وغرق العالم
كله ما عدا هذا الرجل وأسرته (لكنهم يعطونه اسماً آخر غير نوح).
إن وجود الشريعة
الأدبية فى الإنسان تجعل عنده حنين نحو الخلود، وتجعله يبحث عن إله يعبده. هذه
الشريعة لا يمكن أن تكون موجودة فى كل شعوب العالم بهذه الصورة عن طريق الصدفة.
حتى الشيوعية فى روسيا
ونظرية كارل ماركس قد سقطت واستمر الله. والإلحاد والوجودية ممثلة فى جان بول سارتر
الذى لم يكن ينكر وجود الله لكنه كان يقول: أنت خلقتنى وأعطيتنى حرية فلا تسحبها
منى عن طريق الوصية، اتركنى أعمل ما أريد، هذه فلسفة الوجودية. وعمل سارتر مسرحية
الجوبيتر كلها عبارة عن أن المخلوق يتحدى الخالق. فحتى سارتر لا يقول أن الله غير
موجود، هو يقول الله موجود لكن دعه فى سمائه وليتركنى وشأنى لأفعل ما فيه مصلحتى.
الخلاصة
"قَالَ
الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: لَيْسَ إِلَهٌ" (مز 14:
1)
++++++++++++++++++++++
نيافة الانبا بيشوى
من محاضرته فى
كلية البابا شنودة اللاهوتية بألمانيا فبراير 2006
تعليقات
إرسال تعليق